Untitled Document

عدد المشاهدات : 2282

الحلقة (45) من "تدبر القُرْآن العَظِيم" تدبر الآية (50) من سورة البقرة (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُون

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الخامسة والأربعون
تدبر الآية (50) من سورة البقرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ 
(وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُون)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ 
يقول تعالى (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ) وهو عطف على قوله تعالى في الآية السابقة (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ) 
كأن الله تعالى يقول: واذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم, واذكروا إذ نجيناكم من آل فرعون, واذكروا إذ فرقنا بكم البحر.
وترتيب الآيات ترتيبًا منطقيًا لأن الله تعالى تحدث في الآية السابقة عن نجاة "بنى اسرائيل" ثم تحدث في هذه الآية عن وسيلة النجاة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ 
ومعنى (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ) وفي قراءة (فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ) بالتشديد، أي فصلنا بكم البحر
لأن الفرق هو الفصل بين شيئين
كما نقول "فرق الشعر"
فقوله تعالى (فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ) أي أن الله تعالى فصل البحر ببنى اسرائيل، كأن "بنى اسرائيل" هم الأداة التى فصل الله تعالى بها البحر 
وقد سمي البحر بحرًا لإتساعه، كما نقول للعالم أنه متبحر في العلم
 (فَأَنْجَيْنَاكُمْ) أي أنقذناكم
(وَأَنْتُمْ تَنْظُرُون) يعنى وَأَنْتُمْ تَنْظُرُون اليهم وهم يغرقون
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ 
وهذه الآية هي مجرد تذكير بالقصة
بينما ذكرت القصة بتفاصيلها في مواضع أخري من القرآن العظيم 
والقصة أن الله تعالى أمر موسى أن يخرج ببنى اسرائيل ليلًا، وأخبر الله تعالى موسي أن فرعون سيخرج بجيشه لمطاردتهم وسيحاول منعهم من الخروج، يقول تعالى (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) 
خرج موسى ببنى اسرائيل من العاصمة "رعمسيس" وهي الآن قريبة من الشرقية جنوب بحيرة المنزلة، واتجه شرقًا في اتجاه سيناء، وبلغ ذلك فرعون، فقرر مطاردتهم ومنعهم من الخروج، لأنه كان يعتبرهم عبيدًا عنده، ويستخدمهم في الأعمال
جمع فرعون جنوده وخرجوا لمطاردة بنى اسرائيل في صباح اليوم التالى، يقول تعالى (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) يعنى مع شروق الشمس 
خرج فرعون في ألف ألف جندي، أي مليون جندي، ومائة ألف فرس، وكان الجيش المصري هو أقوي جيش في العالم 
وكان عدد المقاتلين من "بنى اسرائيل" ما بين عشرون عامًا الى ستون عامًا حوالى ستون ألف، ولذلك قال فرعون (إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) وكان "بنو اسرائيل" عندما دخلوا الى مصر عددهم اثنين وسبعين نفسًا
ولكن موسى –عليه السلام- لم يتجه الى الشرق في خط مستقيم، لأنه خرج –كما ذكرنا- من العاصمة "رعمسيس" وهي الآن قريبة من الشرقية جنوب بحيرة المنزلة، فلو اتجه شرقًا في خط مستقيم، لدخل الى سيناء مباشرة دون أن يمر على خليج السويس، ولم تكن قناة السويس موجودة – بالطبع- في ذلك الوقت
ولم يسر موسى ببنى اسرائيل في الطريق المعروف الى الشام، وهو الطرق الذي تسير فيه القوافل بمحاذاة البحر المتوسط  
ولكن موسى سار ببنى اسرائيل في اتجاة الجنوب الشرقي، لأن كان يسير بوحي من الله تعالى، وكانت ارادة الله تعالى أن يصل بنى اسرائيل الى البحر (خليج السويس) وهو البحر الأحمر، وكانت العرب تسميه " بَحْرَ الْقُلْزُمِ" وَسَمَّتْهُ التَّوْرَاةُ "بَحْرَ سُوفٍ" فيعبورا البحر وينجوا ويغرق آل فرعون  
ولو كان موسى يسير بارادته لاستحال أن يسلك هذا الطريق، لأن الطبيعي أن يتجه الى صحراء سيناء، حيث هناك فرصة –ولو قليلة- للنجاة، لا أن يحصر نفسه بين جيش فرعون وماء البحر، حيث لا فرصة للنجاة
سار موسى ببنى اسرائيل، في اتجاه الشرق –كما ذكرنا- وكان موسى -عليه السلام- في المؤخرة، و"هارون" -عليه السلام- في المقدمة يقودهم، لأن التهديد كان من الخلف وليس من الأمام 
ووصل "بنى اسرائيل" الى البحر، ووقفوا على شاطئه واقترب جيش فرعون، ورأي "بنى اسرائيل" غبار جيش فرعون، وقال بنى اسرائيل: إنا لمدركون ! فقال موسى بملأ فيه وبمنتهي الثقة (كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)
وروي أيضًا أن رجلا من أصحاب "موسى" وهو مؤمن آل فرعون، وقيل أنه "يُوشَعُ بْنُ نُونٍ" وهو الذي قاد ينى اسرائيل بعد وفاة موسى –عليه السلام- وضريحه موجود الآى في غرب الأردن، قال "يُوشَعُ بْنُ نُونٍ" عندما وصل "بنى اسرائيل" الى البحر، ووجد "بنى اسرائيل محاصرون بين البحر وبين عدوهم: أين أمرك ربك يا موسى؟ فأشار موسى الى البحر وقال: أمامك، فاقتحم "يُوشَعُ بْنُ نُونٍ" البحر بفرسه حتى غطاه الماء، فعاد الى موسى، وقال له: أين أمرك ربك يا موسى؟ ففعل ذلك ثلاث مرات
ثم أوحي الله تعالى الى موسى (أنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) يعنى كل جانب كالجبل الضخم
وكان "بنى اسرائيل" مقسمين الى اثنى عشر سبطًا، أي اثنى عشر طائقة، كل واحد من أبناء يعقوب سبط، فجعل الله تعالى في البحر اثنى عشر طريقًا، لكل سبط الطريق الخاص به، والماء بجانب هذ الطرق كالطود العظيم
وارسل الله تعالى الريح والشمس على قعر البحر حتى صار يابسًا، يقول تعالى (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ)
ليس هذا فحسب، بل لما دخلوا في الطريق قال بعضهم لبعض: ما لنا لا نرى أصحابنا ؟ وقالوا يا موسى: أين أصحابنا لا نراهم ؟ فأوحي الله تعالى الى موسى فأشار بعصاه الى الماء على جوانب الطرق، فانفتحت فيها نوافذ، فأصبحوا يرون بعضهم بعضًا، ويتكلمون الى بعضهم بعضا
عبر "بنى اسرائيل" البحر الأحمر، من منطقة "خليج السويس" الآن، وهي مسافة حوالى سبعة كيلوا مترات، وهي مسافة يقطعها الشخص العادي مشيًا على قدميه في أربعة ساعات، حتى اذا خرج جميع "بنى اسرائيل" من البحر، أراد موسى أن يضرب البحر ليعود إلى سيولته والى استطراقه، فيقطع الطريق على جيش فرعون فلا يستطيعون اللحاق بهم، ولكن الله تعالى أوحي الى موسي –عليه السلام- أن يترك البحر كما هو، يقول تعالى (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ) يعنى اترك البحر كما هو 
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ 

 

وصل فرعون الى البحر وشاهده منفلقًا، وقد كان يمكن وقد شاهد هذا المشهد العجيب، أن يدور حول خليج السويس ويلحق ببنى اسرائيل في صحراء سيناء
ولكن فرعون وقف أمام البحر وقال لجنوده في كبر وصلف وغرور وغباء:
- ألا ترون البحر فَرِق مني؟ قد انفتح لي حتى أدرك أعدائي ! 
والعجيب أن جميع الجيش أطاعه في غباءه وحماقته، ولذلك قال تعالى (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) 
فالطاغية لايصدقه ولا يطيعه، ولا يدور في فلك غباءه وحماقته الا الفاسقين
فلما أراد فرعون أن يقتحم الطرق أبت الخيل أن تقتحم، حتى الحيوان أذكي وأنقي من هؤلاء الطغاة، وكانت كل الأحصنة من الذكور، فنزل أحد الملائكة بخيل أنثى، فلما شمت خيول فرعون رائحة الأنثى اقتحمت في أثرها
حتى اذا كان جميع جيش فرعون في وسط البحر، وهم أولهم أن يخرج، ودخل آخرهم، يعنى أولهم عن شاطيء "بنى اسرائيل" وآخرهم عند الشاطيء الآخر، أمر الله تعالى "موسى" أن يضرب البحر مرة أخري، فأعيد الماء الى سيولته واستطراقه، وانطبق عليهم البحر، وغرقوا جميعًا
وهذه هي طلاقة قدرة الله تعالى، أنه تعالى أنجي وأهلك بالسبب الواحد
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ 

 

يقول تعالى (وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُون) يعنى وَأَنْتُمْ تَنْظُرُون اليهم وهم يغرقون
فالله تعالى يمن على "بنى اسرائيل" أنهم شاهدوا عدوهم وهو يغرق، لسببين أولًا: حتى يطمئوا أنهم لن يعودوا الى العذاب مرة أخري، لأنهم لو لم يشاهدوهم وهم يغرقون ربما يظلون في خوف أن بعضهم قد نجي، وسيعود لمطاردتهم والإنتقام منهم.
حتى قيل أن "بنى اسرائيل" بعد غرق فرعون قالوا لموسى: إِنَّـا نَخَافُ أَنْ لا يَكُونَ فِرْعَوْنُ غَرِقَ، فَدَعَا "موسى" رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَأَخْرَجَهُ لَهُمْ بِبَدَنِهِ حَتَّى يَسْتَيْقِنُوا
والثاني: حتى يكون ذلك أشفي لصدورهم
فيكون عطاء الله لبنى اسرائيل ثلاثة عطاءات وليس عطاءًا واحدًا، وهو عطاء النجاة، وعطاء أن أهلك عدوهم، وعطاء أنه أهلك عدوهم أمام أعينهم
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ 

 

وصام موسى –عليه السلام- هذا اليوم شكرًا لله، وكان يوم العاشر من محرم، وهو الذي نطلق عليه يوم عاشوراء
روي البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة رأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال "ما هذا اليوم الذي تصومون"؟ قالوا هذا يوم صالح هذا يوم نجى الله عز وجل فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا أحق بموسى منكم" فصامه وأمر بصومه 
وقد روي مسلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- قال أن صيام يوم "عاشوراء" يكفر ذنوب السنة الماضية
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ 

 

البعض يرجع معجزة شق البحر الى ظاهرة المد والجزر، وظاهرة المد والجزر ظاهرة طبيعية تحدث في جميع بحار ومحيطات العالم، في مرحلة المد يحدث ارتفاع تدريجي في منسوب مياه سطح البحر، والجزر يحدث انخفاض تدريجي في منسوب مياه البحر، وتنجم هذه الظاهرة عن التأثيرات المجتمعة لقوى جاذبية القمر والشمس، وخصوصًا القمر لأنه أقرب من الشمس، ودوران الأرض حول محورها (قوة الطرد المركزية)
وقالوا أن موسى يعلم هذه الظاهرة جيدًا في هذه المنطقة من البحر الأحمر، لأنه مر عليها مرتين: مرة أثناء هروبه من مصر بعد أن قتل المصري، ومرة أثناء عودته الى مصر بعد أن أوحي اليه
فاستغل موسي –عليه السلام-  هذه الظاهرة فمر ببنى اسرائيل أثناء الجزر، فلما دخل جيش فرعون بدء المد فغرق الجيش
ونحن نقول أن هذا غير منطقي لأن المد يكون ارتفاع الماء بشكل تدريجي ولا يمكن أن يغرق جيشًا
وقد نفي القرآن العظيم هذه النظرية حين وصف المشهد فقال تعالى (فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) 
وهكذا نفي القرآن العظيم هذه النظرية قبل أن تقال بأكثر من ألف سنة، وهكذا يرد القرآن العظيم ليس فقط على ما يقال وقت نزوله، ولكنه يرد أيضًا على ما سيقال بعد نزوله
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ 

 

سمك موسى الاسم العلميSolea solea) نوع من السمك المفلطح  وتقع العينان على جانب واحد من الجسم. ويزن عادة حوالي 0,5 كجم. 
قيل أن سبب تسميته بهذا الاسم: ان سمكة أو عدة اسماك تصادف ان وجدت في النقطة التي ضرب فيها موسى البحر بعصاه فانشق البحر وانشقت السمكة لنصفين ثم استكمل كل نصف ما يلزمه ليبقى حيا.