Untitled Document

عدد المشاهدات : 2127

الحلقة (63) من "تدبر القُرْآن العَظِيم" تدبر الآيات (75) و(76) و(77) سورة البقرة أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَ

  تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الثالثة والستون
تدبر الآيات (75) و(76) و(77) سورة البقرة
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
المقطع السابق من سورة البقرة، الآيات السابقة كانت جولة في تاريخ بنى اسرائيل، ثم تأتي بعد ذلك آيات تتحدث عن كيفية التعامل مع بنى اسرائيل
والربط بين المقطعين جاء بهذه الآية، وهي قوله تعالى (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) 
وجاء الربط بين المقطعين في غاية الروعة، فبعد هذه الجولة مع بنى اسرائيل في تاريخهم الحافل بالكفر والتكذيب, والالتواء واللجاجة, والتمرد والفسوق.
يقول تعالى (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) يعنى من كان هذا هو تاريخهم،  وفعلوا هذا مع نبيهم الذي كان بين أظهرهم، والذي أرسل اليهم خاصة، والذي أنقذهم الله تعالى على يديه من عبودية آل فرعون، كيف ترجون وكيف تطمعون، وكيف تستشرف نفوسكم الى أن يدخلوا في الإسلام ويؤمنوا بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 يقول تعالى (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) 

الطمع هو شدة تعلق النفس بشيء مطلوب، فاذا ضعف التعلق فهر رغبة، فاذا اشتد التعلق فهو الطمع، فالطمع هو شدة تعلق النفس بالشيء المطلوب
والخطاب هنا من الله تعالى للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وللصحابة، وخاصة الأنصار، لأن الأنصار كانوا قبل الإسلام حلفاء لليهود، وبينهم وبين اليهود علاقات صداقة وعمل وجوار، ويكونون أحيانًا أخوة في الرضاعة، فكانوا يطمعون ويرغبون رغبة شديدة في ايمان اليهود 
بل كان الأنصار يتوقعون ايمان اليهود، لأن اليهود كانوا يحدثونهم بأن هذا الزمان هو زمان آخر الأنبياء
 يقول تعالى (وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) أي جماعة أو طائفة منهم (يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ) وفي قراءة (يَسْمَعُونَ كَلِّمَ اللَّهِ) وهو التوراة حين تتلى عليهم أو يقرأونها (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) المقصود بالتحريف هنا هو اخفاء صفة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 
ففي التوراة مثلًا أن صفة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه متوسط الطول وأنه أبيض اللون، وأنه سبط الشعر، فلما بعث الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  غيروا الصفة الى قصير وأسمر وأجعد الشعر
فكيف تطمعون وترجون وتتوقعون أن يؤمنوا بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهم الذين غيروا بأيديهم صفته في التوراة ؟ فهذا اذن أمر مستبعد 
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

(مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) يعنى هم يعلمون أنه كلام الله تعالى ويتعمدون التحريف
وهنا المعصية مركبة، أوكما نقول متلبسين بالجريمة
فهم: سمعوه، يعنى سمعوا التوراة أو قرأوها
و(عَقَلُوهُ) أي فهموه جيدًا واستوعبوه جيدًا، وعلموا مراد الله تعالى من هذه الآيات، وعرفوا صفة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المذكورة عندهم بمنتهي الدقة كما يعرفون أبنائهم
(وَهُمْ يَعْلَمُونَ) يعنى وَهُمْ يَعْلَمُونَ عقوبة التحريف، وَيَعْلَمُونَ عقوبة عدم الإيمان بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 والآية ليست أمرًا من الله تعالى بالكف عن الدعوة لطائفة من الناس، بدعوى أن هؤلاء لا فائدة منهم

يقول تعالى في سورة الأعراف (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) 
ولكن الآية تعزية وتسلية للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وللصحابة لحزنهم على عدم ايمان اليهود، لأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والصحابة، وخاصة الأنصار –كما ذكرنا- كانوا حريصين جدًا على ايمان اليهود
وكان عدم ايمان اليهود سببًا لحزنهم وهمهم، كما قال تعالى في مواضع أخري (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) و(فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) وكذلك (وما عليك ألا يزَّكى) 
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)

قلنا أن هذه الآيات تتناول كيفية التعامل مع اليهود
وهذه الآية تكشف أحد أسرار اليهود، فتتحدث هذه الآية عن المنافقين من اليهود، الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر
فيقول تعالى (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا) نفاقًا، يعنى قالوا آَمَنَّا وهم يبطنون في أنفسهم الكفر
(وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) 
كان الرجل اليهودي اذا نافق وأظهر الإيمان يسأله الصحابة عن الْبِشَارَةُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في التوراة، وعن صفة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المذكورة في التوراة، - فلا يستطيع أن ينكر، ويذكر لهم ما يعلم من صفات الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المذكورة في التوراة، فيعرف ذلك في المدينة وينتشر الخبر أن فلان اليهودي الذي أسلم يقول أن صفة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في التوراة كذا وكذا، أو أن اليهود يقولون أن صفة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في التوراة كذا وكذا، ويكون ذلك شهادة من اليهود على أنفسهم، كما قال تعالى (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا ) فاذا عاد الى أصحابه من يهود عاتبوه على ما تحدث به
يقول تعالى (وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ) يعنى اذا خلا اليهود بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ولم يكن معهم غيرهم 
(قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)
يعاتبون هؤلاء المنافقين، ويقولون لهم: ما أعلمهم بهذا ؟ ما خرج هذا الا منكم 
(أَتُحَدِّثُونَهُمْ) الاستفهام للإنكار والتعجب
(بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) أي بما أعطاكم الله من العلم بصحة رسالة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبصفة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) ليُقِيمُونَ بِهِ الْحُجَّةَ عَلَيْكُمُ مِنْ كِتَابِ رَبِّكُمْ وَهُوَ التَّوْرَاةُ
اذن معنى (عِنْدَ رَبِّكُمْ) أي: من كتاب ربكم
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

  (أَفَلَا تَعْقِلُونَ) 

قوله تعالى (أَفَلَا تَعْقِلُونَ) يعنى: أفلا يكون لكم عقل, فتتركون ما هو حجة عليكم؟ 
والآية تعريض باليهود بأنهم أغبياء ولا عقل لهم، لأنهم يقولون (بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ) أي أنهم اعتبروا أن صفة الرسول المذكورة عندهم في التوراة فتح من الله، والفتح من الله يكون بالخير والبركة، فكيف تعترف بذلك وتكذب به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في نفس الوقت
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 (أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)

أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا أَسَرُّوا مِنْ كُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ 
وأنه تعالى يَعْلَمُ ما يقولونه بعضهم لبعض (أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) 
والإستفهام هنا للتوبيخ والإنكار لأنهم يعلمون أن العلم من صفات الله تعالى
وهم ليسوا كالكفار الذين لا يعلمون صفات الله تعالى