Untitled Document

عدد المشاهدات : 2126

الحلقة (70) تدبر الآيات (91) و(92) و(93) من سورة البقرة وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِي

  تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة السبعون
تدبر الآيات (91) و(92) و(93) من سورة البقرة
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

تحدثنا في الحلقة السابقة عن الآية (89) من سورة البقرة، وهو قول الله تعال (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) وقلنا معنى (يَسْتَفْتِحُونَ) أي يستنصرون، والمعنى أن بنى اسرائيل كانوا قبل بعثة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستنصرون بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويقولون للمشــــركين "قد أظل زمان نبي، يخرج بتصديق ما قلنا، فنقتلكم معه قتل عاد وثمود" (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا) يعنى ولما بعث الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي يجدون صفته في كتبهم، ووجدوا أنه من العرب من نسل اسماعيل –عليه السلام- وليس من بنى اسرائيل، من نسل يعقوب –عليه السلام- كفروا بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ولذلك قال تعالى في الآية التالية (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُو بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ) 
وقلنا أن (بَغْيًا) يعنى حسدًا، اذن هم كفروا حسدًا للعرب أن يكون الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منهم وليس من بنى اسرائيل
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

هنا يستكمل الله تعالى في حديثه الى بنى اسرائيل، فيقول تعالى 
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ)
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ) مبنى للمجهول، فسواء الذي قال لهم هو الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو الصحابة، أو القرآن العظيم
(بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) وهو القرآن العظيم
والمعنى أن الله تعالى لم يقل لهم (آَمِنُوا بِمَا أُنْزِلَ على محمد) وانما قال لهم (آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ) فالوحي هو المقصود وليس النبي المبلغ، وينبغي الإيمان بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ سواء نزل على رجل من العرب أو من بنى اسرائيل أو من أي عرق آخر
 (قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا) يعنى يكون جوابهم: نُؤْمِنُ فقط بالتوراة التى أنزلت على موسى
(وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ) أي ويكفرون بأي كتاب آخر سوى التوراة أو بعد التوراة، سواء كان الإنجيل أو القرآن العظيم
(وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ) أي ان هذا القرآن العظيم هو (الْحَقُّ) والحق هو الثابت المفيد النافع 
(مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ) من التوراة، أي مصدقُا بأن التوراة كتاب من عند الله تعالى أنزله على عبده ونبيه موسى –عليه السلام- وأيضًا (مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ) من صفة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المذكورة بدقة في كتبهم
وهذه الجملة اعتراضية فيها تعجب من حالهم
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
قل لهم يا محمد اذا كنتم تؤمنون بالتوارة، فلم قتلتم أنبياء الله مِنْ قَبْلُ ؟
هل في التوراة الأمر بقتل أنبياء الله ؟ 
ان في التوراة النَّهْيُ الشَّدِيدُ عَنْ قَتْلِ النفس، وفي التوراة الأمر بطاعة الأنبياء وتوقيرهم ونصرهم، وأنتم تقولون أنكم تؤمنون بالتوراة ولاتؤمنون بكتاب آخر غير التوراة، فاذا كان هذا صحيحًا فلم قتلتم أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ، مثل زكريا ويحي ودانيال وأشعياء وغيرهم 
(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يعنى إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بالتوراة
اذن فأنتم كاذبون في قولكم (نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا)
(قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

)وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)
ثم يقول تعالى 
(وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ) 
اللام لام القسم، يعنى وَالله لَقَدْ جَاءَكُمْ يا بنى اسرائيل مُوسَى (بِالْبَيِّنَاتِ) أي بالمعجزات الدالة على نبوته، و(الْبَيِّنَاتِ) جمع بينة، أي الشيء الواضح
وهذه البينات العصا ويده تخرج بيضاء من غير سوء، وحين أصر فرعون على كفره وعلى تعذيب بنى اسرائيل، سلط الله عليهم: الجراد والقمل والضفادع والدم والطوفان والسنين وهو الجدب الشديد، وشق البحر ورفع الطور والمن والسلوي وتشقق الماء من الحجر
(وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ)
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ)
قوله تعالى (مِنْ بَعْدِهِ) أي من بعد أن ترككم موسى وذهب الى مناجاة ربه، لأنهم وقعوا في ذنب عبادة العجل بعد أن تركهم موسى أربعين ليلة وذهب الى ميقات ربه
أو (مِنْ بَعْدِهِ) من بعد مجيء موسى اليكم.
هذه الآية أيضًا مرتبطة بالآية السابقة (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا) لأن من يؤمن بالتوراة لا يعبد العجل
وأيضًا اذن هذا حالهم مع موسى الذي جاءهم بالبينات التى رؤها بأعينهم، وهو الذي نزلت عليه التوراة مكتوبة، وهو من بنى اسرائيل، وهو أعظم أنبياء بنى اسرائيل، وهو الذي أنقذه الله تعالى من عبودية آل فرعون على يديه، فكيف يؤمنون بالقرآن العظيم، وكيف يؤمنون بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ)
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)
(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوّة)
يقول تعالى مذكرًا بنى اسرائيل بأخذ الميثاق عليهم ورفع الطور فوق رؤسهم
ذلك أن موسى -عليه السلام- عندما جاء لهم بالتوراة، وقرأ التوراة عليهم وشرح ما فيها من حلال وحرام وتكليفات 
شق الأمر على بنى اسرائيل ، وقالوا لا نطيق كل هذه التكاليف، ورفضوا أن يقبلوا شريعة التوراة
أصبح فوق رؤسهم فأمر الله تعالى جبل الطور، أن يتحرك حتى
ثم قيل لهم تأخذوا التوراة وتنفذوا ما فيها من تكاليف وأحكام بمنتهي الدقة، أم يسقط الجبل عليكم، فسجد بنو اسرائيل خوفًا من سقوط الجبل عليهم وأخذوا التوراة كرهًا وخوفًا
ومعنى (خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوّة) أي بجد واجتهاد وعزيمة، وحزم في التنفيذ والتطبيق
(وَاسْمَعُوا) يعنى وأطيعوا 
لأن معنى السماع هو ادراك القول
ومجازًا: السماع هو الطاعة 
ونحن نقول في كلامنا الدارج: اسمع الكلام
 (قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا)
قال البعض أنهم قالوا فعلا (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) يعنى قالوا سمعنا قولك، وعصينا أمرك، وهذا مبالغة في التعنت والمعصية.
وقال البعض انهم لم يقولوا عصينا، وانما هم قالوا سمعنا في الظاهر ولكن أفعالهم دلت على العصيان
قالوا سمعنا بألسنتهم، ثم قالوا عصينا بأفعالهم
(وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ)
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

(وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ)
الإشراب هو اختلاط المائع بالجامد
لأن الإنسان عندما يشرب الماء فانه يتغلغل في كل الجسم
كما يسقط لون على أرضية من الرخام، فان الرخام يشرب اللون
أو كما تصبغ قطعة من القماش بأحد الألوان، فان فطعة القماش واللون يصبحان شيئًا واحدًا
فالمعنى أن حب العجل قد تغلغل في قلوبهم وغلب عليها وتمكن منها
 وهنا قال (أُشْرِبُوا) وليس (شربوا)
كأن الكفر هو الذي سقاهم حب العجل
اذن هذا الحب للعجل في قلوبهم ليس اعتداءًا من الله عليهم
ولكن الكفر كان منهم أولًا ثم جاء الطبع وجاء الختم وجاء اللعن وجاء الإشراب
ولذلك قوله تعالى (بِكُفْرِهِمْ) الباء هنا: باء السبب
(قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
قل لهم يا محمد (بِئْسَمَا) وقلنا أن (بِئْسَ) فعل ماضى يفيد الذم
و(ما) اسم موصول يفيد الذم
والمعنى بئس الذي يأمركم به ايمانكم الذي زعمتم، لأنهم قالوا (نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا) فاذا كنتم مؤمنين حقًا بالتوراة فبئس هذا الإيمان الذي يأمركم بهذه الأفعال

 

*********************************

لمطالعة بقية الفصول- اضغط هنا

لمشاهدة الحلقات فيديو- اضغط هنا

 *********************************