Untitled Document

عدد المشاهدات : 1924

الحلقة (71) تدبر الآيات (94) و(95) و(96) من سورة البقرة: قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَت

  تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الحادية والسبعون
تدبر الآيات (94) و(95) و(96) من سورة البقرة
قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

لا يزال الله تعالى في حديثه عن بنى اسرائيل، فيقول تعالى (قُلْ) وهذا أمر لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعنى قل لهم يا محمد
(إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ) يعنى نعيم الدَّارُ الْآَخِرَةُ، وهذا حذف مضاف دل عليه المعنى، يعنى (إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الجنة)
(عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ) "خَالِصَةً" لغة أي "صافية"
فكانت العرب تقول: خلص لى هذا الشيء، يعنى أصبح لى وحدي
نحن نقول في مصر في الريف: الشيء ده ليه خُلُص
اذن معنى (إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ)
اذا كانت لكم الجنة يوم القيامة لكم وحدكم لا يشارككم فيها أحد، كما تدعون، لأن اليهود كانوا يقولون: "إن الله لم يخلق الجنة إلا لإسرائيل وبنيه". وكانوا يقولون ( لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا) كما قال تعالى (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى) يعنى النصاري يقولون ( لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ نَصَارَى) واليهود يقولون ( لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا) 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

  (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) 

(فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) قراءة الجمهور (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) بضم الواو، وقرأت بفتح الواو (فَتَمَنَّوَا الْمَوْتَ) وقرأت بكسر الواو (فَتَمَنَّوِا الْمَوْتَ)
تمنى الشيء: يعنى أحب هذا الشيء ورغب أن يصير اليه
فمعنى تمنى الموت أي أحب الموت ورغب فيه
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)

يعنى إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ في قولكم أن الدار الآخرة لكم خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

  (وَلنْ يَتَمَنَّوْهُ أبدا) يعنى وَلنْ يَتَمَنَّوا الموت أبدا 

(بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) يعنى بِمَا عملته أَيْديهم، والعرب تضيف كل جناية الى اليد، وإن لم يكن لليد فيها عمل، فتقول جنت يداك، وكسبت يداك، واجترحت يداك، وقدمت يداك، مع أن الذنب قد يكون باللسان مثلًا، أو العين، لأن أكثر جنايات الإنسان تكون بيده 
اذن معنى (بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) يعنى بِمَا عملته أَيْديهم، من الكفر بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكتم أمره، وتغيير صفته في كتبهم
 (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) وَاللَّهُ تعالى ذو علم بما في نفوس الظَّالِمِينَ
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 فالمعنى اذا كانت الجنة لكم وحدكم لن يدخلها أحد غيركم، ولن يشارككم فيها أحد، كما تدعون في قولكم ( لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا) وقولكم "إن الله لم يخلق الجنة إلا لإسرائيل وبنيه".

اذا كان هذا صحيحًا، واذا كان هذا هو ما تعتقدونه فعلًا فتمنوا أن تموتوا حتى تتخلصوا من هذه الحياة المليئة بالأكدار والشوائب والأمراض والمتاعب، وتصيروا الى الجنة ونعيمها
وهذا ما يطلق عليه "مجاراة الخصم" 
أو كما يقول المثل الشعبي "خليك مع الكاذب لحد باب الدار"
 ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

  لأن من اعتقد أنه من أهل الجنة، كان الموت أحب إليه من الحياة 

ولذلك نقل عن العشرة المبشرين بالجنة أن كل واحد منهم كان يحب الموت ويحن إليه .
قبل أن يموت "عمر بن الخطاب" بأيام وقف في منى ورفع يديه وقال "اللَّهُمَّ كَبِرَتْ سِنِّي، وَضَعُفَتْ قُوَّتِي، وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلَا مُفَرِّطٍ"  
وفي أحداث الفتنة الكبري، رفض "عثمان بن عفان" أن يقاتل عنه أحد من الصحابة، وكان له ألف عبد، فلما أحاط به أعدائه، شهروا سيوفهم دفاعًا عنه، فقال لهم عثمان: من أغمد سيفه فهو حرّ
 كان على بن أبي طالب –رضى الله عنه- يطوف في موقعة صفين بين جيشه وبين جيش أعدائه وهو في غلالة، أي قميص رقيق، فقال له ابنه الحسن –رضى الله عنه- ما هذا بزي المحاربين، فقال له: يا بني لا يبالي أبوك على الموت سقط أم عليه سقط الموت‏.
 حين أتى بلالا الموت، قالت زوجته : واحزناه فكشف الغطاء عن وجهه و هو في سكرات الموت، و قال: لا تقولي واحزناه, و قولي وافرحاه، غدًا نلقى الأحبة، محمدًا وصحبه 
لأن بلال مبشر بالجنة، لأن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لبلال "فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ"
وقصة "حرام بن ملحان" رضى الله عنه، حين جاء ناس الى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقالوا له ابعث معنا رجالًا يعلمونا القرآن فبعث اليهم سبعين من أفضل الصحابة من حفظة القرآن، فلما كانوا في الطريق أحاطوا بهم وقتلوهم، وكان أول من قتل "حرام بن ملحان" جاءه رجل من خلفه اسمه "جبار بن سلمى" فطعنه برمح في ظهره فنفذ من بطنه، فأخذ "حرام بن ملحان" من دمه وهو يسيل وأخذ يدهن به وجهه وهو يقول 
- الله أكبر، فزتُ وربِّ الكعبة
فتعجب قاتله "جبار بن سلمي"  وقال: 
- ما فاز ؟ أوَلستُ قد قتلته؟ 
فقالوا له: 
- إنها الشهادة عند المسلمين! 
فلما علم أمر الإسلام والشهادة في الإسلام فقال: 
- نعم فاز والله
ثم ذهب الى المدينة وأسلم
 "عُمَيْرٌ ابْنُ الْحُمَامِ" في غزوة بدر أخرج تمرات يأكل منها، ثم قال "والله لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ" فَرَمَى بِالتَّمْرَةِ ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ  
وقصص الشهداء الذين أحبوا الموت كثيرة لا حصر لها
ولذلك كان دعاء يوسف –عليه السلام- في القرآن (فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)
والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في سكرات الموت تقول السيدة فاطمة "واكرب أبتاه" فيقول لها الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لا كرب على أبيك بعد اليوم"
اذن من اعتقد أنه من أهل الجنة، كان الموت أحب إليه من الحياة 
"الله أكبر، فزتُ وربِّ الكعبة"
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 اذن فهذه الآيات تقيم الحجة على اليهود، وتقول لكم اجلسوا مع أنفسكم، أنتم من عقائدكم أنكم شعب الله المختار، وأنكم أبناء الأنبياء، وآبائكم الأنبياء لن يتركوكم تدخلون النار، وأنكم أبناء الله وأحبائه، وأن الجنة خلقت لكم، ولن يدخل الجنة أحد غيركم، ولن تمسكم النار الا أيامًا معدودة، وهي أربعين يومًا، يعنى العاصى فيكم أقصى ما سيظل في النار أربعين يومًا، وهو لن يدخل في النار دخولًا كاملًا بل هو مجرد مس للنار، يعنى هذا العاصى سيقترب من النار اقترابًا لا يشعر بحرارتها

فاذا كان ذلك صحيحًا، وكنتم تعتقدون ذلك فعلًا فلم لا تتمنون الموت وترغبون فيه
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 ولذلك عندما نزلت هذه الآيات الكريمة دعا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحبار اليهود ورؤسائهم، وقال لهم "إِن كُنْتُم فِي مَقَالَتَكُمْ صَادِقين قُولُوا اللَّهُمَّ أمتنَا، فو الَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يَقُولهَا رجل مِنْكُم إِلَّا غص بريقه فَمَاتَ مَكَانَهُ"

اذن المعنى: اذا كنتم صادقين في قولكم ( لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا) وقولكم "أن الله لم يخلق الجنة إلا لإسرائيل وبنيه" فتمنوا الموت، والتمنى هنا باللسان يعنى الدعاء، فادعوا على انفسكم بالموت وقولوا "اللَّهُمَّ أمتنَا" ثم أخبرهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن من يفعل ذلك فسيموت في الحال
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 وهذه الطريقة تشبه طريقة "المباهلة" التى كانت مع النصاري، عندما جاء وفد من نصاري "نجران" في جنوب الجزيرة العربية، وظلوا يجادلوا الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالباطل ثلاثة أيام، فنزل قول الله تعالى في سورة آل عمران (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) 

وهذه هي المباهلة أي الدعاء بانزال اللعنة على الكاذب، فرفض وفد نجران ذلك
هنا أقام عليهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحجة على اليهود باسلوب قريب من أسلوب المباهلة، فدعاهم كما قلنا الا أن يدعوا على أنفسهم بالموت طالما أنهم سيدخلون الجنة بعد موتهم 
 وقيل أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعاهم الى أن يقف الفريقان، وأن يدعوا بِالْمَوْتِ عَلَى أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ أَكْذَبَ
المهم أن اليهود رفضوا أن يفعلوا ذلك، وذلك لعلمهم ويقينهم أنهم كاذبون في ادعائهم ( لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى) وادعائهم (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) ويعلمون أنه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المذكور في كتبهم
ويعلمون أنهم ان فعلوا فسيموتون في الحال وسيخسرون الدنيا والآخرة معًا، فهم سيخسرون الدنيا بالموت الذي طلبوه، وسيخسرون الآخرة بالعمل السيء الذي قدموه
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)

وقبل أن يدعوهم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى ذلك، وقبل أن يرفضوا ما دعاهم اليه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرالقرآن العظيم أنهم لن يقبلوا هذا التحدي 
فقال تعالى (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)
وَ(لَنْ) نفي للحاضر والمستقبل
وهي نفي عام يعنى لن يتمناه واحد منكم
وهكذا حكم الله عليهم في شي اختياري
وان شئت قل: حكم الله تعالى على أمر اختياري لعدو من أعداء الإسلام
وكان يمكن لأي واحد منهم أن يذهب للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويقول له أنا اتمنى الموت، ولكنه لم يفعل
وهذا من أوجه الاعجاز في القرآن العظيم، وهو الإعجاز الغيبي، وهو ان يخبر القرآن العظيم عن أمر غيبي سيحدث في المستقبل، ويتحقق بالفعل
مثل قوله تعالى (الم ( 1 ) غُلِبَتِ الرُّومُ ( 2 ) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ( 3 ) فِي بِضْعِ سِنِينَ....) والبضع من ثلاثة الى تسعة، اذن أخبرالقرآن العظيم بأن الروم ستغلب الفرس في المواجهة التالية، بل وحدد المدة انها من ثلاثة الى تسعة أعوام
يقول تعالى (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ) وقد قالوا بالفعل
وقوله تعالى (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ (5)
فحكم القرآن العظيم أن "أبو لهب" وهو عم الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سيموت كافرًا، بل وزوجته "أم جميل" كذلك ستموت كافرة
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

  (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)

 (وَلَتَجِدَنَّهُمْ) اللام لام القسم، والنون توكيد للقسم
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ) 
ولتجدن يا محمد اليهود هم أشد الناس حرصا على الحياة في الدنيا، وأشدهم كراهة للموت
(وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) بل وأحرص على الحياة من الذين أشركوا, كما يقال: "هو أشجع الناس ومن عنترة " يعنى: هو أشجع من الناس ومن عنترة.
فهم أحرص على الحياة من المشرك، لأن المشرك يعتقد أنه لا حياة بعد الموت، كما قال تعالى في سورة الجاثية (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ) فمن الطبيعي أن يحب طول الحياة، ولكن اليهودي يعلم أنه على باطل ويعلم أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو المذكور في كتبهم، ويعلم ما له في الاخرة من خزي وعذاب، ولذلك فهو أحرص من المشرك على الحياة
وهنا يعري الله تعالى اليهود أمام أنفسهم، فأنتم أيها اليهود أسوأ حالًا من المشركين، فأنتم أحرص على الحياة من المشرك
وهنا قال تعالى (عَلَى حَيَاةٍ) نكرة، ولم يقل (عَلَى الحَيَاةٍ) يعنى هم حريصون على أي نوع من الحياة، سواء كانت حياة ذل وخزي وهوان لا يهم المهم أن يظلوا على قيد الحياة
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) 

(يُعَمَّرُ) فعل مبنى للمجهول
فعل ملازم للمبنى للمجهول
كأن اللغة تقول دي مش بتاعة الإنسان
كما كانت العرب تقول: زُكِم فلان، هو أيضًا فعل ملازم للمبنى للمجهول، لأنها لم تكن تعلم سبب الزكام
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 وقوله تعالى (لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ)

على عادة العرب فى ان الألف هي نهاية ما يعرفون
ولذلك القصة المعروفة عندما وقعت أحد بنات كسري في السبي وكانت من نصيب أحد الصحابة، فلما أرسل في فدائها، طلب ألف دينار، فقيل له هذه بنت كسري لو كنت طلبت أكثر من الألف لأعطوك، فقال لهم : وهل هناك أكثر من الألف
وذلك مثل قوله تعالى ( ليلةُ القدرِ خيرٌ من ألفِ شهر(
فحين يقول تعالى (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) 
ليس المقصود الألف سنة، ولكن المقصود أن يعمر الى مالا نهاية 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇

 

(وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ)
أي لن يبعده عن العذاب أن يعمر ألف سنة أو أكثر من ألف سنة، ابليس مثلًا قال رب أنظرني الى يوم يبعثون، وحياته تصل الى الآف وألاف السنين، ولكن في النهاية مصيره هو النار 
بل على العكس فان العبد اذا طال عمره وهو على معصية فان ذلك يزيد عذابه، كما جاء في الحديث "شرُّكم من طال عمره، وساء عمله" 
 
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ)
*********************************

لمطالعة بقية الفصول- اضغط هنا

لمشاهدة الحلقات فيديو- اضغط هنا

*********************************