Untitled Document

عدد المشاهدات : 3176

الحلقة (86) من تدبر القُرْآن العَظِيم تدبر الآيات من (132) الى (134) من سورة البقرة وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَد

  تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة السادسة والثمانون
تدبر الآيات من (132) الى (134) من سورة البقرة
وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)
)وَوَصَّى( ووصّى ليست مثل أوصى، لأن أوصى يجوز أن تكون مرة واحدة، أما وَصَّى فلا يكون إلا مراراً، وهي تفيد التكثير والمبالغة
فاذن إِبْرَاهِيمُ لم يقل لهم هذه الوصية مرة واحدة قبل موته، ولكنه كان يكثر قولها لأبناءه طوال حياته وقبل مماته
وسبب تركيز إِبْرَاهِيمُ على هذه الوصية، أن "إِبْرَاهِيمُ" كان في زمن انتشرت فِيهِ عِبَادَةُ آلِهَةٍ كَثِيرِينَ مِنَ الْكَوَاكِبِ وَالْأَصْنَامِ وَالْحَيَوَانَاتِ، وكان "إِبْرَاهِيمُ" وبنيه هم وحدهم الَّذِينَ انْفَرَدُوا بِعِبَادَةِ الله وَحْدَهُ، فكأن إِبْرَاهِيمُ خشي أن يتأثر أحد من أبنائهم بكثرة الباطل وقلة الحق، فكان لا يتوقف عن وصية أبنائه بالإسلام وتوحيد الله بالعبادة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وَوَصَّى (بِهَا) أي وَصَّى  بكلمته التى قالها، وهي قوله (أَسْلَمْت لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) أي وصى بالإسلام، واخلاص العبادة لله وحده، وبكلمة لا اله الا الله
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِبْرَاهِيمُ) وفي قراءة (ابراهام) وهذه لغة
بعض القراءات تعطي معنى آخر، وهذا يثري المضمون
وهناك قراءات مثل هذه الكلمة، تكون لغة، أي أن بعض القبائل كانت تقول (إِبْرَاهِيمُ) وقبائل أخري (ابراهام) فقرأها الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نقلًا عن جبريل –عليه السلام- باللهجتين تيسيرًا للمتلقي، يقول تعالى (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(بَنِيهِ) وهما اسماعيل واسحق، وقيل أن أبناء إِبْرَاهِيمُ –عليه السلام- ثمانية: وهم اسماعيل واسحق وستة أنجنبهم من امرأة كنعانية اسمها "قنطورة" تزوجها بعد وفاة "سارة"
مع أن "اسماعيل" كان مقيمًا في مكة، وهذا يدل على أن "اسماعيل" كان يتردد على أبيه " إِبْرَاهِيمُ" في منطقة الشام، وكان حاضرًا حين وفاة أبيه
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (وَيَعْقُوبُ) أي وكذلك وَصَّى يَعْقُوبُ بَنِيهِ، وهم "يوسف" وأخوته الإحدي عشر
أو أن إِبْرَاهِيمُ وصى بَنِيهِ وابن ابنه يعقوب بن إسحاق وكان حاضرا ذلك، ولكن على هذا المعنى تقرأ "يعقوبَ" بالنصب عطفًا على بَنِيهِ
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(يَا بَنِيَّ) يعنى يا أبنائي، ولكن كلمة (بَنِيَّ) فيها رقة تكون أدعى للقبول، وهذا من صفات "إِبْرَاهِيمُ" يقول تعالى (إِنَّ إِبْرَاهِيم لَحَلِيم أَوَّاه مُنِيب) ولذلك كان يخاطب أباه كذلك، ويقول له (يا أبت)
اذن خاطب أباه فقال (يا أبت) وخاطب أبناءه فقال (يَا بَنِيَّ)   
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ) أي اختار لَكُمُ الدِّينَ، وقلنا أن كلمة "اصْطَفَى" من اختيار الأصفي، و(الدِّينَ) هو الإسلام
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) 
وهذا ايجاز بليغ، لأن الإنسان لا يملك أن يموت على حالة معينة
فالمعنى لا تفارقوا الإسلام في أي لحظة من حياتكم حتى اذا جائكم الموت فلا تموتون الا على الإسلام
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 

❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)
هذه الآية لها مناسبة نزول أن اليهود قالوا للرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا محمد ان يعقوب يوم مات أوصى بنيه بدين اليهودية فأنزل الله- عز وجل- هذه الآية ردًا على اليهود (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ....)
(شُهَداءَ) ‏والشهداء جمع شاهد وهو الحاضر‏، أي أنتم ما كنتم حاضرين وقت وفاة يعقوب عليه السلام، ووقت وصيته لأبناءه،  فَلَا تَدَّعُوا عَلَى أَنْبِيَائِي وَرُسُلِي الْأَبَاطِيل
(إِذْ حَضَرَ) وقرأت (إِذْ حَضٍرَ) بكسر الضاد وهو لغة
(إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) 
إن الله تعالى لم يقبض نبياً حتى يخيره بين الحياة والموت، فلما خير يعقوب قال للملك: أنظرني حتى أوصى ولدي، فجمع ولده وولد ولده وكل ذريته
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي)
كما ركز إِبْرَاهِيمُ –عليه السلام- على هذه الوصية، ركز كذلك عليها يَعْقُوبَ –عليه السلام- 
لأن يَعْقُوبَ –عليه السلام- عندما دخل الى مصر هو وبنيه في زمن يوسف –عليه السلام- كان المصريين يعبدون الأوثان والحيوانات والنار، فكأن يَعْقُوبَ خشي أن يتأثر أحد من أبناءه بهذه العقائد الفاسدة، ولذلك كان التركيز على هذه الوصية قبل موته 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ)
هنا (إِسْحَاقَ) هو الأب المباشر ليَعْقُوبَ و(إِبْرَاهِيمَ) هو جده وَ(إِسْمَاعِيلَ) هو عمه، ومع ذلك قالوا ِلَهَ (آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ) لأن العرب كانت تسمي الجد والد 
يقول تعالى في سورة الحج (ملة أبيكم إبراهيم)
وكانت العرب تسمي العم والد لذلك حين بعث الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمه العباس في فتح مكة لينذر قريش قبل القتال، فلما مضى خشي الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تقتله قريش، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  "رُدُّوا عليَّ أبي، ردوا عليَّ أبي، لا تقتلْه قريش كما قتلت ثقيفٌ عُروةَ بن مسعود "  
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
نلاحظ أيضُا أنهم بدؤا بإِسْمَاعِيلَ قبل إِسْحَاقَ لأن (إِسْمَاعِيلَ) أسن من (إِسْحَاقَ) بأربعة عشر عامًا، وهذا يدل على أن النعرة الطائفية التى بين أبناء إِسْمَاعِيلَ –عليه السلام- من العرب، وأبناء إِسْحَاقَ –عليه السلام- من بنى اسرائيل، والتى ابتدعها اليهود لم يكن لها أي وجود 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا)
قوله (إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ) للإشارة الى أنه لم يحدث أي تغيير في المعبود منذ إِبْرَاهِيمَ وحتى وفاة يعقوب 
ثم قال (إِلَهًا وَاحِدًا) أي ليس لإبراهيم اله، وَإِسْمَاعِيلَ اله، وَإِسْحَاقَ اله، بل جميعهم عبدوا (إِلَهًا وَاحِدًا) وهذا تأكيد على وحدانية الله تعالى
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) أي مستسلمون خاضعون
اذن هذة الآية والآية السابقة اشارة واضحة على بطلان ما ابتدعه اليهود من اليهودية، وأن دين الله واحد وهو دين الإسلام، نعم إِبْرَاهِيمَ –عليه السلام- له شريعة تناسب الزمن الذي كان فيه، وموسى –عليه السلام- كانت له شريعة تناسب الزمن الذي كان فيه، ولكن دين الأنبياء واحد وهو دين الإسلام،  فإِبْرَاهِيمَ" الذي يدعون انتمائهم له، بل و"يَعْقُوبَ" -الذي تسموا باسمه لأن اسمه "اسرائيل" وهم "بنو اسرائيل"- انما كانوا على الإسلام، وكانت وصيتهم لأبنائهم هي الإسلام
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)
(تِلْكَ أُمَّةٌ) الأمة هم الجماعة من الناس، وهم هنا: ابراهيم واسماعيل واسحق ويعقوب وبنيه
(قَدْ خَلَتْ) أي  مَضَتْ وَذَهَبَتْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ، لأن اليهود كانوا لا يتوقفون عن جدال الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أمر ابراهيم واسحق ويعقوب، وأنهم كانوا على اليهودية، فيقول لهم الله تعالى أن هؤلاء قد ماتوا وذهبوا من هذا العالم 
(لَهَا مَا كَسَبَتْ) من خير أو شر
(وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ) من خير او شر
(وَلَا تُسْأَلُونَ) يوم القيامة
(عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) لن تثابوا على صلاح آبائكم، ولن تعذبوا بسبب ذنوبهم 
ولن ينفعكم أن تكونوا من سلالة إبراهيم ولا اسحق ولا يعقوب، ولا يشفع هذا النسب يوم القيامة لأن لكل واحد عمله.
لأن آفة اليهود أنهم يعتقدون أنهم آبناء الله وأحباءه، وأن آبائهم الأنبياء لن يتركوهم في النار يعذبون وسيشفعون لهم، ويعتقدون أنهم سيعذبون في النار أربعين يومًا بسبب عبادة آجدادهم للعجل
فيقول لهم الله تعالى أن آبائهم وأجدادهم لهم أعمالهم، ولكم أعمالكم وسيحاسب كل فريق على عمله 
وقد ذكر الله تعالى هذه القضية في القرآن العظيم في أكثر من موضع، مثل قوله تعالى (وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى) وقوله (ولا تزر وازرة وزر أخرى)
ويقول الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  "ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه".
وقال الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  "يا صفية عمة محمد، يا فاطمة بنت محمد، ائتوني يوم القيامة بأعمالكم لا بأنسابكم فإني لا أغني عنكم من الله شيئا".