Untitled Document

عدد المشاهدات : 2240

الحلقة (90) من تدبر القُرْآن العَظِيم تدبر الآية (144) من سورة البقرة تدبر القُرْآن العَظِيم (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلّ

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة التسعون
تدبر الآية (144) من سورة البقرة
(قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذه الآية هي بداية قصة تحويل القبلة
وقد قلنا أن الصلاة فرضت منذ بداية نزول الوحي، وكانت الصلاة ركعتين في أول النهار وركعتين في آخره، ثم أمر الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالصلوات الخمس في رحلة المعراج، وكان المسلمون يتوجهون في صلاتهم طوال الفترةالمكية، وهي ثلاثة عشر عامًا الى بيت المقدس 
وكان الرسول يحب أن يتوجه في صلاته الى الكعبة المشرفة: 
- لأن الكعبة أحب اليه من صخرة بيت المقدس
- ولأن الكعبة هي  قبلة أبيه أبراهيم
- ولأن التوجه الى الكعبة أَدْعَى إِلَى إِيمَانِ الْعَرَبِ، لأن العرب كانت تعظم الكعبة، فكان الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب أن يتألف العرب بالتوجه في صلاته الى الكعبة
- ولأنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يحب مخالفة اليهود وقد كانت صخرة بيت المقدس هي قبلة اليهود
فكان الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اذا أراد الصلاة وهو في مكة توجه الى بيت المقدس كما أمره الله تعالى، ولكنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، فكأنه صلى الى بيت المقدس والى الكعبة في نفس الوقت
فلما هاجر الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مكة الى المدينة لم يتمكن الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اذا أراد الصلاة أن يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، لأن المدينة شمال الكعبة، فاذا صلى تجاه بيت المقدس فلا بد أن تكون الكعبة في ظهره
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وكان الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول لجبريل- عَلَيْه السَّلام- وددت أن ربي صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها، فكأن الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حياءًا من ربه يريد من جبريل أن يطلب هو تحويل القبلة الى الكعبة الشريفة
 فَقَالَ له جبريل- عَلَيْه السَّلام- إِنَّمَا أَنَا عَبْد مثلك، وأنت كريم على ربك فسله
فلم يسأل النَّبِيّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ربه هذا الأمر، وانما كان يديم النظر إلى السماء، رجاء أن ينزل جبريل- عَلَيْه السَّلام- من السماء بالأمر بتحويل القبلة
وهذا هو قول الله تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ) 
(قَدْ نَرَى) (قَدْ) حرف له عدة استخدامات في اللغة، فاذا دخلت على الفعل المضارع قد تفيد التقليل، مثل قولهم (قد يصدق الكذوب) أو (قد يجمع الله الشتيتين) وقد تدخل على الفعل المضارع فتفيد التكثير وليس التقليل، كما في هذه الآية فهي تدل على كثرة الرؤية
فقوله تعالى (قَدْ نَرَى) تدل على كثرة رؤية الله له، وتدل على شدة رعاية الله تعالى لنبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ) أي تَقَلُّبَ عينيك فِي النظر الى السَّمَاءِ 
(فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) أي فلنصرفنَّك يا محمد عن قبلة صخرة بيت القمدس، إلى قبلة (تَرْضَاهَا) أي قِبْلَةً تحبها وترضيك، وهي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ 
(فَوَلِّ وَجْهَكَ) اصرف وجهك وَحوِّله.
(شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) 
 (شَطْرَ) لغة لها معنين: شَطْرَ أي نصف، وشَطْرَ أي اتجاه، وهي هنا بمعنى اتجاه ونحو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وقد أطلق على "الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ" هذا الإسم لأنه يحرم في هذا المكان أشياء لم تحرم في غيرها
(وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) فأينما كُنْتُمْ أيها المؤمنون من الأرض فحوِّلوا وُجُوهَكُمْ في صلاتكم نَحو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذا بالرغم من أن مِنْ أُسْلُوبِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ الَّذِي يُؤْمَرُ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكون أَمْرًا لَهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وللمؤمنين 
فاذا أراد الله تعالى أن يكون أمرًا للرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقط، فانه تعالى يأتي بما يدل على ذلك، كَقَوْلِهِ تَعَالَى (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) 
ومع ذلك فان الله تعالى في هذه الآية، توجه بالأمر الى الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم توجه بالأمر الى المؤمنين 
والسبب أن هذا الأمر فيه اختبار للمؤمنين، واختبار صعب، كما قال تعالى (وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) فأراد الله تعالى أن يكون الخطاب منه للمؤمنين مباشرة حتى َتَطْمَئِنَ نُفُوسُهُمْ، فيكون ذلك أعون لهم على اجتياز هذا الإختبار الصع 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) وهم علماء اليهود وأحبارهم
(لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) هؤلاء العلماء والأحبار يعلمون أن التوجه الى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هو الحق، لأنه مكتوب في كتبهم من صفة نبى آخر الزمان أنه سيصلى الى قبلتين 
فكان المفروض أن يكون أمر تحويل القبلة بالنسبة لأهل الكتاب سببًا لإيمانهم بالرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وليس العكس
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) وقرأت (عَمَّا تَعْمَلُونَ)  
والقراءة الى تعطي معنى آخر تثري المعنى
فاذا كانت القراءة (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) فالخطاب لأهل الكتاب، وهو تهديد وعيد لأهل الكتاب بسبب كتمانهم الحقائق التى في كتبهم
واذا قرأت  (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) فالخطاب للمؤمنين، وهو وعد وبشارة للمؤمنين الذين امتثلوا لأمر الله تعالى بتحويل القبلة، فيخبرهم تعالى بأنه ليس بغافل عن عملهم هذا، وسيجازيهم عنه يوم القيامة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇