Untitled Document

عدد المشاهدات : 3889

الحلقة (99) من تدبر القُرْآن العَظِيم تدبر الآيات من (165) الى (167) من سورة البقرة ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة التاسعة والتسعون
تدبر الآيات من (165) الى (167) من سورة البقرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
تحدثنا في لقاء سابق عن قول الله في الآية (163) من سورة البقرة (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) وقلنا أن هذه هي قضية الدين الأساسية، لأن الإسلام جاء وهناك مئات أو الاف الآلهة التى تعبد من دون الله تعالى، فأخبر الله تعالى في هذه الآية أن إِلَهَ جميع الخلق واحد
وفي الآية التالية ذكر الله تعالى الدليل على هذه القضية -وهي وحدانية الله تعالى- بعدد من الآيات الكونية، فقال تعالى (إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِى تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ..... الى آخر الآية الكريمة) 
لأنه ليس هناك أي اله عبد من غير الله تعالى أدعي أنه أوجد هذه الموجودات، وليس هناك ممن عبد هذه الآلهة من أدعي لها هذا الأمر
فلم يقل أحد من المشركين أن الأصنام فعلت ذلك، ولم يدعى أحد من الأصنام –بالطبع- أنه فعل ذلك
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يستكمل الله تعالى في هذه الآية الكريمة الحوار في هذه القضية، فيقول تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ)
يعنى بالرغم من كل هذه الآيات الكونية الواضحة التى ذكرها الله تعالى، والتى يرونها بأعينهم صباح مساء، فان (مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا) 
يعنى فان بعض النَّاسِ وهم المشركين يعبدون آلهة مع الله تعالى
(أَنْدَادًا) الأنداد هم الأمثال، جمع ند وهو المماثل والنظير، ونحن في لغتنا الدارجة نقول: يكلمنى الند بالند
وهناك فرق بين المشرك والكافر، فالكافر ينكر وجود الله، اما المشرك فيؤمن بوجود الله ولكنه يؤمن بوجود شركاء مع الله، أو شفعاء يشفعون له عند الله تعالى 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم قال تعالى (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) يعنى يحبون هذه الآلهة وهذه الأصنام التى يعبدونها مع الله تعالى، كحبهم لله تعالى 
ويوقرون هذه الآلهة ويعظمونها ويخضعون لها كما يوقرون الله تعالى ويعظمونه ويخضعون له.
(يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
ثم يقول تعالى (وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) 
يعنى هؤلاء المشركون يحبون آلهتهم كحبهم لله تعالى –كما قلنا- ولكن ذلك الحب لا يقارن بحب المؤمنين لله تعالى، فالذين آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ
فحب هؤلاء المشركين لأصنامهم حبًا زائفًا وليس حبًا حقيقيًا، فقد كان بعض المشركين يذبح أحد ابناءه قربانًا لله تعالى، وقد يبدوا هذا قمة الحب والتضحية لله تعالى ، وهذا ليس صحيح بل هو قمة الغلظة وقسوة القلب، ولو كان صادقًا فلماذا لم يذبح نفسه قربانًا لله بدلًا من ذبح ابنه
والمشرك قد يحب الصنم في حال السراء ولكنه يسخط عليه في الضراء، بينما المؤمن الحق يحب الله تعالى في السراء والضراء
لقد ذكرنا من قبل قصة "عروة بن الزبير" عندما كان في رحلة من المدينة الى الشام، وكان معه أحب أبناءه اليه، وكان له سبعة من الأبناء، وفي الطريق أصيبت قدمه بالغرغرينا ولزم قطع ساقه، ثم رفس أحد الخيول ابنه وقتله
فقال "عروة بن الزبير": اللهم لك الحمد، أعطاني سبعة وأخذ واحداً, وأعطاني أربعة أطراف وأخذ واحداً, إن ابتلى فطالما عافا, وإن أخذ فطالما أعطى
وكانت امرأة متعبدة تقول : والله لو وجدت الموت يباع لاشتريته شوقاً إلى الله تعالى 
استمع الى رابعة العدوية وهي تناجي ربها وتقول:
فليتك تحــلو والحياة مريرة *** وليتك ترضي والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب تراب
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
يقول الإمام "محمد عبده" في تفسيره "المنار" 
عَلَيْنَا أَنْ نَبْحَثَ َ هَلِ اتَّخَذَ الْمُسْلِمُونَ أَنْدَادًا كَمَا اتَّخَذَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَنْدَادًا أَمْ لَا ؟ 
فيقول ان من مظاهر اتخاذ الْمُسْلِمُونَ أَنْدَادًا تَعْظِيمُ بعض المسلمون لقبور الصالحين وانهم يقضون الحاجات 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)
ثم يتوعد الله تعالى هؤلاء المشركين فيقول تعالى (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) يعنى لو رأي هؤلاء المشركين الظالمين لأنفسهم بالشرك، (إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ) يعنى لو رأوا العذاب بأعينهم يوم القيامة وعاينوه، فسيعلمون حينئذ (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) 
لأنهم أشركوا بالله وعبدوا معه آلهة أخري، فاذا كان يوم القيامة فسيعلمون أن هذه الآلهة لا تنفع ولا تضر، ولن تنجيهم من هذا الموقف العصيب، وأَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا، وأن الحكم له وحده لا شريك له، وأن جميع الأشياء تحت قهره وسلطانه وغلبته
 وسيعلمون بل وسيرون أن هذه الآلهة التى كانوا يعبدونها مع الله تعالى هي حصب جهنم التى يعذبون بها، كما قال تعالى في سورة الأنبياء (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ)
ثم اختتم هذه الآية الكريمة بالوعيد لهؤلاء المشركين فقال تعالى (وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وهناك قراءة (وَلَوْ تَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) بالتاء، يعنى: يعنى وَلَوْ تَرَى يا محمد، والخطاب للأمة كلها من خلال الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  
(وَلَوْ تَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا يوم القيامة إِذْ يُرَوْنَ الْعَذَابَ – بضم الياء يعنى يريهم الله تعالى العذاب- إنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَإنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
)إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166)
)إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا) 
التبرأ لغة هو الإنفصال، ونحن نستخدمها في لغتنا الدارجة ونقول: أنا متبريء من فلان
(الَّذِينَ اتُّبِعُوا) وهم الرؤساء والقادة والقدوة السيئة
(مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) وهم الأتباع، نقول عنهم في مصر "القلاديش" وهي كلمة تركية الأصل، كانوا يقولون "جاء الأمير وقلاديشه"
(وَرَأَوُا الْعَذَابَ) رؤية العذاب هي تعليل لهذا الموقف، وهو موقف تبرأ المتبوعين من الأتباع، فحين يرون العذاب، ويؤتي بجهنم بجرها سبعون ألف ملك، كما قال تعالى (وجيء يومئذ بجهنم) ويجثوا الناس على ركبهم لأن أقدامهم لا تقوي على حملهم من هول الموقف، ففي هذا الموقف، يتبرأ المتبوعين من الأتباع
اذن فالمعنى أن القادة يتبرؤن من أتباعهم يوم القيامة بمجرد رؤيتهم للعذاب
لذلك فالشيطان بعد أن يدخل هو أتباعه النار، يقوم وسط جهنم خطيبًا، كما قال تعالى في سورة ابراهيم (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
(وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ) الْأَسْبَابُ جَمْعُ سَبَبٍ وَهُوَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ: الْحَبْلُ 
من ذلك قول الله تعالى (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ) أي بحبل الى السقف
فالمعنى أن روابط وصلات وعلاقات المصالح التى كانت بَيْنَ التابعين والْمَتْبُوعِينَ والتى كانت موجودة في الدنيا تتقطع وتنفصل وتتهرأ يوم القيامة
لأن الذي كان يربط المتبوعين بالأتباع في الدنيا هي علاقات المصالح، فهذا يستفيد من هذا وهذا يستفيد من هذا
وهذا نجده في الدنيا عندما يجتمع بعض الأشقياء على ارتكاب جريمة، فاذا انكشف أمرهم شهد كل واحد على صاحبه
فلو أن عصابة وقعت في يد الشرطة، فكل واحد يشهد على صاحبه ويدفع التهمة عن نفسه، حتى لو لم يكن هذه الشهادة تفيده في شيء، فانه يشهد على صاحبه بقصد ايذائه
وكثيرًا ما نقرأ أن رجل وامرأة متزوجة، اشتركا في قتل زوج المرأة بدعوي الحب، فاذا قبضت الشرطة عليهما، فان كل واحد يشهد على الآخر ليدفع التهمة عن نفسه
يقول تعالى (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 
وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)
(وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) وهم الأتباع 
(لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً) لَوْ هنا ليست لَوْ الشرطية، ولكنها للتمنى، كما تقول: لَوْ سافرت
والكرة هي الرجوع الى الشيء، كما يقولون " الحَرْبُ كَرٌّ وَفَرٌّ" أي تراجع وهجوم 
فقوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً) يعنى الأتباع يقولون لو أن رجعة مرة أخري الى الدنيا
(فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ) أي من هؤلاء القادة (كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا) في الآخرة
(كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ) 
الحسرة هي الندم مع الانكماش والحزن
فتعرض عليهم أعمالهم الْخَبِيثَةُ  في الدنيا ويتحسرون على ارتكابها
فالمعنى أنهم يتحسرون ويندمون أشد الندم على المعاصى التى ارتكبوها في الدنيا، ويتحسرون ويندمون أشد الندم على شركهم وعدم دخولهم في الاسلام، واتباع الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  
وقال بعضهم أن الكفار والعصاة ترفع لهم الجنة فينظرون إليها وإلى بيوتهم فيها، لو أنهم أطاعوا الله, فيقال لهم: تلك مساكنكم لو أطعتم الله ثم تُقسَّم بين المؤمنين
ولذلك من أسماء يوم القيامة "يوم الحسرة" و"يوم الندامة"
واعلم أنه لا معصية الا ويندم العاصى على ارتكابها في الدنيا قبل الآخرة
(وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) ردًا على كلامهم أنهم يتمنون العودة الى الدنيا حتى يتبرؤا من القادة كما تبرؤا هم منهم، فيخبر تعالى أنهم لن يخرجوا من النار
كما قال تعالى في موضع آخر (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا) فهم يحاولون الخروج من النار فتعيدهم خزان جهنم من الملائكة بالمقامع