Untitled Document

عدد المشاهدات : 2208

الحلقة (101) من تدبر القُرْآن العَظِيم تدبر الآيتين (170) و(171) من سورة البقرة وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْت

 تدبر القُرْآن العَظِيم

الحلقة الواحدة بعد المائة
تدبر الآيتين (170) و(171) من سورة البقرة
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171) 
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)
هذه الآية تعالج أحد أهم الصعوبات التى واجهت الرسول –صلى الله عليه وسلم- في طريق الدعوة، وهي التقليد الأعمي للآباء والأجداد
هذا التقليد نتيجة أن العرب كان يُكْبِرُون الآباء والأجداد اكبارًا يصل الى حد التعظيم والتقديس
ولذلك عندما تحدثنا عن "أبو طالب" عم الرسول –صلى الله عليه وسلم- في حلقات "أسرار السيرة الشريفة" قلنا أن "أبو طالب" من أكبر علامات الاستفهام في السيرة الشريفة، وموقفه كان محيرًا لكثير من الناس، لماذا ؟
لأن "أبو طالب" كان واضحًا أنه منذ اللحظات الأولى من الدعوة، أنه يؤمن بالرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، بدليل أن أول اجابة لأبو طالب على دعوة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "فامض لما أمرت به" يعنى هو استخدم فعل مبنى للمجهول، يعنى ما جئت به ليس من عند نفسك، وانما من عند الله تعالى، ومع ذلك لم يتبع الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وانما فقط ظل مدافعًا عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى آخر لحظة في حياته
  
كان "أبو طالب" يؤمن أن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو رسول بالفعل
وقلنا أن السبب هو حب "أبو طالب" الشديد الى درجة الولع والتعظيم والتقديس لأبيه "عبد المطلب" فهو يرفض أن يكون على دين يخالف دين أبيه، لأن معنى تركه دين أبيه، ودخوله في دين جديد، أن أبيه كان على خطأ، وهذه منطقة محظورة ومرفوضة في نفسه 
ولذلك عندما دعاه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الى الاسلام أجابه بكل وضوح وقال له "فامض لما أمرت به، فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب"
حتى استماتة "أبو طالب" في الدفاع عن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان تنفيذًا لوصية أبيه في الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لأن "عبد المطلب" أوصاه وهو على فراش الموت، فقال له: يا أبا طالب، أُنظُرْ أن تكون حافظاً لهذا الوحيدِ الذي لم يَشمَّ رائحةَ أبيه، ولم يَذُق شفقة أُمّه، يا أبا طالب انظُر أن يكون من جسدك بمنزلة كَبِدك، وانصُرْه بلسانك ويدك ومالك
ثم يقول له مؤكًدا: هل قَبِلتَ وصيّتي ؟
فيقول أبو طالب: نَعَم قد قبِلتُ يا سيد قريش
فيقول  عبدالمطّلب: الآن خُفِّف علَيَّ الموت
  
يا أبا طالب، أُنظُرْ أن تكون حافظاً لهذا الوحيدِ الذي لم يَشمَّ رائحةَ أبيه
هذا هو حل لغز "أبو طالب" الذي حير الكثيرين، فهو من شدة حبه لأبيه "عبد المطلب" لا يستطيع أن يخالف دينه، ومن شدة حبه لأبيه يحفظ وصيته في الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويدافع عنه بكل ما يملك، حتى آخر لحظة في حياته
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
اذن من أكبر المشاكل التى واجهت الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في طريق دعوته هي تعظيم العرب وتقديسهم لآبائهم وأجدادهم 
ويرد الله تعالى على هؤلاء المقلدون لأبائهم وأجدادهم فيقول تعالى (أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)
والهمزة في قوله تعالى (أَوَلَوْ) يطلق عليها "همزة الانكار" يعنى كيف تقلدون آبائكم هذا التقليد الأعمي، وهناك احتمال وارد أن يكون هؤلاء الآباء بعيدين عن الهدي 
وهذا كما يقول طالب كسول لزميله: ذاكر الفصول كذا وكذا فقط، فيقول زميله المجتهد: ولو جائت أسئلة من فصول أخري
اذن الطالب المجتهد ينكر على زميله الكسول أن يذاكر هذه الفصول فقط، لأن هناك احتمال وارد أن يأتي الإمتحان في فصول أخري
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ) واذا قيل لهؤلاء الكفار
(اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ( أي اعملوا بما أنـزل الله في كتابه على رسوله (قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا) أي قالوا بل نتبع ما وجدنا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا، لأن (أَلْفَيْنَا) تعنى: وجدنا
(أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ) 
أي ماذا لو كان آَبَاؤُهُمْ
(لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا) أي بعيدين عن التفكير السليم الرشيد 
(وَلَا يَهْتَدُونَ) وبعيدين عن الهداية
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذه المشكلة التى واجهت الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في دعوته وهي مشكلة التقليد، لا يزال الكثير يعاني من هذه المشكلة
أذكر أنني ذهبت لصلاة الجمعة في أحد المساجد، وأنا لا أصلى سنة قبل صلاة الجمعة، لأنه لا توجد سنة قبلية لصلاة الجمعة، فقال لي أحدهم لماذا لا تصلى السنة ؟ فقلت له أنه لا توجد سنة قبلية لصلاة الجمعة، فقال لى كيف وكل ما في المسجد يقومون لصلاة هذه السنة ؟ فأوضحت له أن الأذان في عهد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعهد أبي بكر وعمر كان أذانًا واحدًا لذلك فمن المستبعد أن يكون الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد صلى سنة قبل صلاة الجمعة، فكان رده: كيف والشيخ فلان يقوم لصلاة السنة
هذا هو التقليد القبيح أن تذكر الدليل بالقرآن أو بالحديث فيكون الرد أن الشيخ فلاني يفعل كذا وكذا
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
هذا التقليد موجود بكثرة في الجماعات، فالانتماء لجماعة معينة يعنى الغاء التفكير في مواجهة أفكار الجماعة التى يعتبرونها ثوابت
أنا لا مانع عندي من الانضمام لطريقة من الطرق الصوفية، أو للتبليغ والدعوة، أو ما أطلق عليهن الاعلام القبيسيات، لا بأس من الانضمام لأي من هذه المجموعات طالما أنها تتبع القرآن والسنة
ولكن المهم ألا تلغي عقلك، ولا تسمح لأحد ان يقول لك هكذا قال الشيخ الفلاني أو الشيخ العلاني، وانما قل: قال الله وقال الرسول
ولذلك تقول الآية الكريمة (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ) يعنى الكتاب والسنة (قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا)
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)
(يَنْعِقُ) النعيق هي الأصوات التى يصدرها راعى الأغنام فتمشي أو تجري أو تتوقف، وتتعلمها عن طريق التعود 
فيضرب الله تعالى المثل لهؤلاء المقلدون لأبائهم وأجدادهم، بالبهائم التى ينادي عليها الراعي بأصوات فتمتثل لأمره، فتتحرك أو تتوقف كما يريد، وَهي لَا تَعْقِلُ سَبَبًا للحركة أو التوقف  
فهؤلاء المقلدين لأبائهم كَالْغَنَمِ مَعَ الرَّاعِي 
ومن دقة المثل، أن العرب كانت تضرب المثل براعي الغنم في الجهل ويقولون : "أجهل من راعي ضأن"
ولذلك في قصة غزوة "حنين" عندما صحب "مالك بن عوف" الى ميدان المعركة الفاصلة مع المسلمين المال والنساء، قال له المحتك "دريد بن الصمة" أراك سقت المال والنساء ! فقال له مالك: يقاتلون عن أموالهم وحريمهم. فقال له دريد بن الصمة: راعي ضأن والله ! يعنى أنت جاهل لا علم لك
اذن فالآية الكريمة بهذا التشبيه البليغ تشير الى أن الأباء الذين يقلدونهم جهال لا علم لهم، وهؤلاء الذين يقلدونهم يسيرون خلفهم كما تسير الغنم خلف الراعي، وهي لا تدري لمذا يسير بها ولا الى اين يسير بها
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇
 (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وَمَثَلُ  هؤلاء الكفار المقلدين لآبائهم وأجدادهم في الكفر (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) كَمَثَلِ الراعي الذي يتحكم في غنمه عن طريق الصياح  (بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً) أي يصيح بالإغنام التى لا تسمع الا أصوات الدعاء والنداء، والدعاء هو النداء للبعيد، والنداء للقريب 
ثم يصف تعالى هؤلاء الكفار المقلدون بأنهم (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) فهم (صُمّ) لَا يَسْمَعُونَ الْحَقَّ (بُكْمٌ) لَا يَنْطِقُونَ بالحق (عُمْيٌ) لا يرون الحق مع وضوحه كالشمس في كبد السماء (فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) وماداوا كذلك فهم كالبهائم لا عقل لهم
❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇ ❇